عنوان الموضوع : [انتهى] تقرير , بحث عن فن المقامات للصف الحادي عشر
مقدم من طرف منتديات بيت الامارات النسائي


السلام عليكم

لو سمحتو ممكن حد يساعدني في تقرير

العربي باسم ( فن المقامات)

هذا أو طلب لي وأتمنى ماطنشووني




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

هلا هلا

لم يبلغ كتاب من كتب الأدب في العربية ما بلغته مقامات الحريري من بُعد الصيت واستطارة الشهرة، ولم يكد الحريري ينتهي من إنشائها حتى أقبل الوراقون في بغداد على كتابتها، وتسابق العلماء على قراءتها عليه، وذكروا أنه وقَّع بخطه في عدة شهور من سنة (514هـ=1110م) على سبعمائة نسخة، وبلغ من شهرتها في حياة الحريري أن أقبل من الأندلس فريق من علمائها لقراءة المقامات عليه، ثم عادوا إلى بلادهم حيث تلقاها عنهم العلماء والأدباء، وتناولوها رواية وحفظًا ومدارسة وشرحًا.
وصاحب هذا الأثر الخالد هو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، ولد بالمشان، وهي من ضواحي مدينة البصرة سنة (446هـ=1054م)، ولما شبَّ عن الطوق رحل إلى البصرة، وسكن في محلة بني حرام، وهي قبيلة عربية كانت تسكن البصرة، وتأدب بها، واتصل بأبي الحسن بن فضال المجاشعي، فقرأ عليه العربية، ودرس الفقه على أبي إسحاق الشيرازي، كما سمع الحديث من عدد غير قليل من الحفاظ والمحدثين.
وكان الحريري مفرطًا في الذكاء، آية في الحفظ وسرعة البديهة، غاية في الفطنة والفهم، فما كاد يفرغ من تلقيه العلم حتى جذب الأنظار إليه، وعُين في ديوان الخلافة في منصب "صاحب الخبر"، وهي وظيفة تشبه هيئة الاستعلامات في عصرنا، ولا يُعرف على وجه اليقين متى تقلدها، لكنه ظل بها إلى أن تُوفي.
وكان الحريري من ذوي الغنى واليسار إلى جانب علمه الواسع، وتمكنه من فنون العربية، وكان له بقريته "المشان" ضيعة كبيرة مليئة بالنخل، وكان له بالبصرة منزل يقصده العلماء والأدباء وطالبو العلم، يقرءون عليه ويفيدون من علمه.
مقامات الحريري
المقامات فن من فنون الكتابة العربية ابتكره بديع الزمان الهمذاني، وهو نوع من القصص القصيرة تحفل بالحركة التمثيلية، ويدور الحوار فيها بين شخصين، ويلتزم مؤلفها بالصنعة الأدبية التي تعتمد على السجع والبديع.
ويحكي الحريري عن سبب إنشائه المقامات، فيقول: "إن أبا زيد السروجي كان من أهل البصرة، وكان شيخًا شحاذًا أديبًا بليغًا فصيحًا، ورد البصرة، فوقف في مسجد بني حرام، فسلّم، ثم سأل، وكان المسجد غاصًا بالفضلاء، فأعجبتهم فصاحته وحسن كلامه، وذكر أسر الروم ولده، فاجتمع عندي عشية جماعة، فحكيت ما شاهدت من ذلك السائل، وما سمعت من ظرفه، فحكى كل واحد عنه نحو ما حكيت، فأنشأت المقامة الحرامية، ثم بنيت عليها سائر المقامات التي تبلغ خمسين مقامة". وقد بدأ في كتابتها في سنة (495هـ=1101م) وانتهى منها في سنة (504هـ=1110م).
البطل والراوي
وقد نسب الحريري رواية هذه المقامات إلى الحارث بن همام، فهو الذي يروي أخبارها، ويقول ابن خلكان: إنه قصد بهذا الاسم نفْسَهُ، ونظر في ذلك إلى قوله (صلى الله عليه وسلم): "كلكم حارث وكلكم همام" فالحارث: الكاسب، والهمام كثير الاهتمام بأموره، وما من شخص إلا وهو حارث وهمام.
أما بطل هذه المقامات فهو أبو زيد السروجي، وهو متسول يعتمد على حسن الكلام وسحر البيان في جذب اهتمام الناس، واستلاب عواطفهم، واستمالة عقولهم ليمنحوه صدقاتهم. وتختلف الروايات في حقيقة أبي زيد السروجي، فمن قائل إنه اسم خيالي وضعه الحريري صاحب المقامات، واستوحاه من صورة الشحاذ الذي لقيه في مسجد بني حرام بالبصرة، في حين يذهب البعض أنه شخصية حقيقية، والأقرب إلى الصواب أن أبا زيد السروجي شخصية نسجها خيال الحريري، ليحوك من حولها حيل أديب متسول، مثلما اتخذ بديع الزمان الهمذاني من أبي الفتح الإسكندري بطلاً لمقاماته.
وتبدأ المقامات بلقاء بين الحارث بن همام وأبي زيد السروجي في صنعاء، وهما في ريعان الشباب وربيع العمر، حيث لقي الحارث أبا زيد خطيبًا واعظًا في جمع من الناس، ثم تبعه فعرفه مخادعًا كذابًا، وعلى هذا اللقاء بنى الحريري المقامة الأولى، وأطلق عليها "المقامة الصنعانية"، ثم أخذ الحارث يجوب البلاد ويواصل الأسفار ليلقى أبا زيد في أماكن مختلفة، في ساحات القضاء، ومجالس الولاة، وأندية الأدباء، ثم يلتقيان في مسجد البصرة، وقد تقدم بهما العمر، وهدَّ جسدهما طول الزمن، فإذا أبو زيد يقف في حشد من الناس يعلن توبته، ويندم على ما قدّم من ذنوب وآثام، ثم يعزم على العودة إلى بلده "سروج" وينصرف إلى العبادة والصلاة، أما الحارث بن همام فيتوقف عن السفر والترحال، ويجنح إلى الراحة، ويكون هذا هو آخر لقاء بينهما، وبه تنتهي المقامة الخمسون آخر المقامات.
بين القص والصنعة البيانية
تجمع المقامات التي أنشأها الحريري بين متعة القص والحكي وتحقيق الغاية البيانية البلاغية، ويذكر في مقدمة عمله مقصده بقوله: "أنشأت خمسين مقامة تحتوي على جد القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله، وغرر البيان ودرره، وملح الأدب ونوادره، إلى ما وشحتها به من الآيات، ومحاسن الكنايات ووضعته فيها من الأمثال العربية واللطائف الأدبية، والأحاجي النحوية والفتاوى اللغوية، والرسائل المبتكرة، والمواعظ المبكية، والأضاحيك الملهية".
غير أن الصنعة البيانية قد غلبت على القص والحكاية، وزاد من افتتان الناس بها البراعة الفائقة والقدرة الفذة التي كتب بها الحريري هذا العمل، وكأن المعجم العربي قد نُثِر كله بين يديه يختار منه ما يشاء في صنعة عجيبة وإحكام دقيق.
ولم يكتف الحريري بالسجع والمحسنات البديعية في مقاماته، وإنما أضاف إليها أمورًا أخرى غاية في التعقيد، لكنه تجاوز هذا التعقيد في براعة فائقة، فأورد في المقامة السادسة التي بعنوان "المراغية" رسالة بديعة تتوالى كلماتها مرة منقوطة ومرة غير منقوطة، منها قوله: "العطاء ينجي، والمطال يشجي، والدعاء يقي، والمدح ينقي، والحر يجزي..."، ويسمى المقامة السادسة والعشرين باسم الرقطاء، لأنها تحتوي على رسالة، تتوالى حروف كلماتها بالتبادل بين النقط وعدمه، مثل قوله: "ونائل يديه فاض، وشح قلبه غاض، وخلف سخائه يحتلب..."، وفي المقامة الثامنة يخطب أبو زيد السروجي خطبة كل كلماتها غير منقوطة، بدأها بقوله: "الحمد لله الممدوح الأسماء، المحمود الآلاء، الواسع العطاء، المدعو لحسم اللأواء، مالك الأمم، ومصور الرمم، وأهل السماح والكرم ومهلك عاد وإرم...".
عناية العلماء بمقامات الحريري
وقد حظيت مقامات الحريري منذ أن ألفها الحريري باهتمام العلماء فأقبلوا عليها يشرحونها، لما زخرت به من الألفاظ والأمثال والأحاجي والألغاز، والمسائل النحوية والبلاغية، وقد أحصى "حاجي خليفة" صاحب كتاب "كشف الظنون" أكثر من خمسة وثلاثين شارحًا، منهم: محمد بن علي بن عبد الله الحلي، ومحمد بن محمد المكي الصقلي المعروف بابن ظفر، وأبو المظفر محمد بن أسعد المعروف بابن حكيم، وعبد الله بن الحسين العكبري، وأحمد بن عبد المؤمن من موسى الشريشي.
وقد انتبه المستشرقون منذ وقت مبكر إلى أهمية المقامات فأولوها عنايتهم وترجموها إلى لغاتهم، فقام المستشرق الهولندي "جوليوس" في سنة (1067هـ=1656م) بترجمة المقامة الأولى إلى اللغة اللاتينية، ثم نقل المستشرق الهولندي نفسه ست مقامات بين سنتي (1144هـ=1731م) و(1153هـ=1740م) إلى اللاتينية.
وفي فرنسا قام المستشرق "كوسان دي برسفال" بنشر المتن العربي الكامل سنة (1337هـ=1918م)، كما قام الأستاذ "دي ساسي" بجمع مخطوطات المقامات وشروحها، وعمل منها شرحًا عربيًا، وطبع المتن والشرح في باريس سنة (1238هـ=1822م).
كما ترجمت المقامات إلى الألمانية، وقام بالترجمة المستشرق "ركرت"، وتمتعت هذه الترجمة بشهرة واسعة في عالم الاستشراق، وتُرجمت إلى الإنجليزية سنة (1284هـ=1867م).
وكانت مقامات الحريري من أوائل ما طُبع من المكتبة العربية، وتوالت طبعاتها في باريس ولندن وليدن ولكنو ودلهي بالهند، والقاهرة وبيروت.
رسائل ومؤلفات
غلاف كتاب ملحة الإعراب للحريري
كان للحريري رسائل أدبية إلى جانب مقاماته، لم تحتفظ بها يد الزمن، فضاعت مع ما ضاع من تراثنا الضخم، ولكن احتفظت بعض الكتب القديمة ببعض رسائله، وقد سجّل "ياقوت الحموي" في معجم الأدباء رسالتين اشتهرتا في عصر الحريري والعصور التي تلته، إحداهما عرفت بالسينية؛ لأن كلماتها جميعًا لا تخلو من السين، والأخرى اشتهرت بالشينية، لالتزام كلماتها بإيراد حرف الشين. وقد استهل الرسالة السينية التي كتبها على لسان بعض أصدقائه يعاتب صديقًا له –بقوله: "باسم القدوس أستفتح، وبإسعاده أستنجح، سجية سيدنا سيف السلطان،… السيد النفيس، سيد الرؤساء، حُرست نفسه، واستنارت شمسه، وبسق غرسه واتسق أنسه، استمالة الجليس، ومساهمة الأنيس، ومواساة السحيق والنسيب...".
وللحريري غير المقامات والرسائل ما يأتي:
* درة الغواص في أوهام الخواص، بيّن فيه أغلاط الكتاب فيما يستعملونه من الألفاظ بغير معناها في غير موضعها، وقد طُبع في مصر سنة (1272هـ=1855م).
* وملحة الأعراب في صناعة الإعراب، وهي أرجوزة شعرية وقد طُبعت في باريس وبيروت والقاهرة.
وفاته
ظل الحريري في البصرة موضع تقدير أهل العلم، وجاء وضعه للمقامات فارتفعت منزلته وازدادت مكانته حتى لقي ربه في (6 من رجب 516هـ=11 من سبتمبر 1112م).
اقرأ أيضا:


من مصادر الدراسة:

  • ياقوت الحموي: معجم الأدباء – تحقيق إحسان عباس – دار الغرب الإسلامي – بيروت – 1993م.
  • ابن خلكان: وفيات الأعيان – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – 1397=1977م.
  • الشريرشي: شرح مقامات الحريري – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – المؤسسة العربية الحديثة – القاهرة – 1969م.
  • شوقي ضيف: الفن ومذاهبه في النثر العربي – دار المعارف – القاهرة – 1983م





__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

تعريف المقامة:-
المقامة لغة: هي المجلس، ومقامات الناس مجالسهم. فاستعلمت بمعنى مجلس القبيلة أو ناديها على نحو قول زهير:-
وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعـل
وتأتي بمعنى الجماعة التي يضمها المجلس أو النادي كما في قول لبيد بن أبي ربيعة:-
ومقامة غلب الرقاب كأنهـم جن لدى باب الحصــير قيام
وتطور معنى المقامة عبر العصور حتى أصبح يعني (الأحدوثة من الكلام). يقول القلقشندي" وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها"(1)
المقامة اصطلاحاً: هو فن كتابي سرد، عبارة عن أحاديث خيالية أدبية بليغة، تلقى في جماعة من الناس، "بطلها نموذج إنساني مكد ومتسول، لها راو وبطل وتقوم على حدث ظريف مغزاه مفارقة أدبية أو مسألة دينية أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لوناً من ألوان النقد أو الثورة أو السخرية وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية" فهدفها الأساسي تعليم الناشئة اللغة وأساليبها. (2)
أصل المقامات ومبتكرها:-
زعم البعض أن أصل المقامات فارسي، وأنها انتقلت من اللغة الفارسي إلى العربية. ويرد على ذلك بأن المقامات قد ظهرت في اللغتين العبرية والسريانية بعد ترجمة مقامات الحريري، ولو كان أصل المقامات فارسياً لكان الأولى أن تنتقل المقامات إلى هاتين اللغتين من المقامات الفارسية وليس العربية. كما أن أول من ألف مقامات فارسية هو القاضي حميد الدين الذي ذكر أنه ترسم خطى البديع والحريري رغبة منه في إدخال هذا الفن إلى اللغة الفارسية. المقامة إذاً فن عربي أصيل، وهدفه الأساسي هو تعليم اللغة العربية وأساليبها،ومعرفة فنونها وأفنانها.
(1) النثر في العصر العباسي للدكتور هاسم مناع ص151، نقلاً عن صبح الأعشى.
(2) فن المقامات بين المشرق والمغرب ليوسف عوض ص 8.

كما تضاربت الأقوال في أصل المقامات، فإن التضارب حول من اخترعها كان أشد وأعنف. فيرى فريق أن بديع الزمان عارض أحاديث ابن دريد فنشأت المقامات. ويستدلون على ذلك أولاً بقول الحصري في زهر الآداب أن بديع الزمان " لما رأى أبا بكر محمد بن الحسين بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثاً، وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره، وانتخبها من معادن فكره، وأبداها للأبصار والبصائر، وأهداها للأفكار والضمائر، في معارض عجمية، وألفاظ حوشية ... عارضه بأربعمائة مقامة في الكدية، تذوب ظرفاً، وتقطر حسناً" (1) وثانياً بأن هناك نقاط اتفاق بين مقامات أحاديث ابن دريد ومقامات البديع. وتتمثل هذه العلاقة في الاسم، فإن من معاني المقامة –وهو الاسم الذي سمى به بديع الزمان فنه الأدبي- الحديث، ويجمع على أحاديث وهو الاسم الذي اختاره ابن دريد لأقاصيصه.كما أن الغاية من أحاديث ابن دريد ومقامات البديع واحدة وهي تعليم الناشئة اللغة.
بينما يؤكد فريق آخر على أن البديع هو مخترع هذا الفن. ويردون على زعم القول السابق بأن أحاديث ابن دريد نوادر ولطائف لم يستقل بها دون غيره، فللجاحظ في الحيوان والبخلاء مثلها، ولابن قتيبة في عيون الأخبار، ولابن عبد ربه في العقد الفريد كذلك.كما أن ابن دريد يبدأ أحاديثه بذكر سند الحديث، ولا يفعل البديع كذلك. كما أن أبطال ابن دريد ورواته يختلفون من حديث لآخر، أما بديع الزمان فبطله واحد وهو أبو الفتح الإسكندري، وراويته أيضاً واحد وهو عيسى بن هشام. ولا أنسى الكدية التي جعلها البديع محوراً لأغلب مقاماته، بينما لم تنحى أحاديث ابن دريد هذا المنحى. كما أن أحاديث ابن دريد مالت إلى الطريقة التقريرة المباشرة، أما بديع الزمان فقد غلف أهدافه داخل الحبكة الفنية للمقامة. ثم إن القول السابق للحصري –والذي استشهد به أصحاب الرأي القائل بأن البديع عارض ابن دريد بمقاماته- يحمل بين طياته تناقضاً حول معارضة البديع لابن دريد. فأحاديث ابن دريد تبلغ أربعين حديثاً، ومقامات بديع الزمان –وفقاً لقول الحصري السابق وبغض النظر عن الاختلاف في عدد المقامات- قد وصلت إلى أربعمائة مقامة. فيكف يعارض البديع أربعين حديثاً بأربعمائة مقامة؟
ومهما يكن من أمر اختلاف الآراء حول تأثر بديع الزمان بأحاديث ابن دريد، فإن البديع قد أظهر هذا الفن في صورة فنية رائعة، وقد اعتبر رائد هذا المجال وزعيمه المُجيد، بل لقد التصق اسم المقامات ببديع الزمان في أذهان الناس، وحسبه ذلك. ولو كان البديع قد أخذ من ابن دريد
(1) المقامة لشوقي ضيف ص17 نقلاً عن زهر الآداب للحصري.

حقاً، فإن ذلك لا يعيبه، بل يزيد من إبداعه الفذ النادر المثيل، إذ ليس من السهل أن يتفوق التلميذ على أستاذه. وقد احتذى العديد من الناس حذو هذا الأستاذ الفذ، لعل الحريري من أبرزهم، بالإضافة إلى الغزالي وابن ناقيا والصفدي وغيرهم، غير أن هؤلاء كلهم لم يصلوا شأو البديع في هذا الفن البديع.




__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

د. عيسى الدودي - اعترف كثير من المهتمين بالأدب الأندلسي بكون المقامة كانت جسرا لمرور القصة إلى إسبانيا وعموم أوربا، وذلك استنادا إلى المقارنات التي عقدوها بين المقامة والأدب السردي في أوربا، وانتهوا إلى هذه القناعة بعد أن توصلوا إلى كثير من أوجه التشابه بين الفنين.
بدأ فن المقامة في الانتشار في أواخر القرن الرابع الهجري، وأبرز أعلام هذا الفن في المشرق الحريري والهمذاني، ثم إنه: »قدر لهذا اللون من الأدب الانتشار الواسع في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، وكثر المقلدون لهذا اللون من الأدب» ، وقد عرف الأندلسيون المقامة عن طريق من رحل إليهم من المشرق، كما: «قدر للأندلسيين الوافدين إلى المشرق الاطلاع على هذا الفن الأدبي وخاصة من أسعدهم الحظ وأقاموا في بغداد، وبعد أن أتموا دراستهم عادوا إلى بلدهم ونشروا هذه المقامات» ، فلقيت قبولا من طرف الأندلسيين، ونالت حظها من المعارضة والشرح والنقد والتعليق، ونسجت على منوالها مقامات مشهورة كمقامة أبي حفص عمر الشهيد، ومقامة أبي محمد بن مالك القرطبي، ومقامة عبد الرحمان بن فتوح، ومقامة بن المعلم…ثم إن هناك من توجه لشرحها كمحمد بن سليمان المالقي، وعبد الله بن ميمون العبدري الغرناطي، وأبي العباس الشريشي، وعقيل بن عطية، ومقامات البطليوسي، وابن المرابع الأزدي صاحب مقامة العيد، وابن القصير الفقيه، ولسان الدين بن الخطيب، بالإضافة إلى مقامتين لمحارب بن محمد الوادآشي، والمقامة الدوحية أوالعياضية، ومقامة ابن غالب الرصافي. ويبقى أبرز من تأثر بالمقامات المشرقية السرقسطي وتسمى مقاماته بالمقامات السرقسطية وهي المعروفة باللزومية وهي خمسون مقامة عارض بها مقامات الحريري.


والمقامة هي حكاية عن حيلة تافهة بطلها متشرد ظريف يتقمص في كل مرة شخصية معينة، فهو: »مرة قرَّاد يسير بقرده ليجمع الناس في حلقات فيضحكهم ويأخذ من أكياسهم، وهو مرة واعظ محترف يلج المساجد لتدمع عينه ويرتل آيات الذكر ورقائق الوعظ وسير الصحابة…وهو مرة ثالثة ينحط إلى دركات وبيئة فيسرق أكفان الموتى، ويجَمِّل خادمه ليوقع في حبه المتهورين» . ويتوخى صاحب المقامة من ذلك الوصول إلى قلوب الناس وكسب مودتهم بمقدرته اللغوية وألاعيبه اللفظية وذلك بالإغراق في السجع والصنعة البديعية، حتى أن الدكتور عبد الله بن علي بن ثقفان سمى المقامة بالقصة اللغوية ، وهذا ما جعل الأندلسيين: «يطلقون اسم المقامة على كل قطعة من النثر المنمق المرصع بالأشعار النفيسة» .
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن تأثيرها في الأدب الأوربي خاصة السردي منه، فإن كثيرا من الباحثين تحدثوا عن: »تأثير فن المقامات في الأدب الأوربي تأثيرا واسعا متنوع الدلالة، فقد غذت هذه المقامات قصص الشطار الإسبانية بنواحيها الفنية وعناصرها ذات الطابع الواقعي» . وتعلق حبيبة البورقادية عن هذا اللقاء الأدبي بقولها: »وهذا اللقاء التاريخي هو الذي يشرح وجوه الشبه الكبيرة بين المقامات وقصص الشطار في الأدب الإسباني، وقد فضل الكتاب الإسبان أن ينسجوا على منوال قصص المقامات الواقعية عوض أن ينسجوا على منوال قصص الرعاة، واستطاعوا بعد جهد جهيد أن يقربوا بين قصصهم وواقع الحياة، وأثروا بذلك تأثيرا كبيرا في الآداب الأوربية» . ثم إن المقامة حولت أنظار الأدباء من الجري وراء الخيال – وذلك بنسج قصص الحب والفروسية والرعاة – إلى الواقعية، وتقريب الفرد من المجتمع، ودعته ليفتح عينيه على واقعه، لذلك: «اتجه الكتاب الروائيون بإيحائها إلى التحدث عن أحوال المجتمع وظروف الأغمار من الناس…ثم أبدعوا روائعهم في هذا الاتجاه الواقعي متناسين هذه الأحلام الهادئة التي كانوا يملأون بها قصصهم الخيالية« .
وأول قصة من هذا النوع في الأدب الإسباني: «كان عنوانها حياة لاسوريو ومحنته، وقد نشرت أول مرة سنة 1555م وفيها وصف لطفل بائس كان ابنا لطحان فقير سجن والده لجريمة صغيرة كانت منه، ومات في السجن دون عائل يرعاه، فبدأ حياته شحاذا يتسول، وقد اهتدى في حرفته الحقيرة بأعمى متمرس كان سيبين له طريق الشحاذة ثم يختلفان بعد حين لشراهة الأعمى وطمعه في ابتزاز صاحبه، فتركه ليعمل خادما لدى قس محترف يعيش على أموال الصدقات، ويشاهد غرائب عجيبة من بخله وجشعه وأثرته» .
وممن تأثر كذلك بالأدباء الإسبان في هذا المجال: «"شارل سوريل chales sorel" في قصته "تاريخ فرانسيون الحقيقي الهازل vrai histoire comique de francoin "، وقد نشرت بباريس سنة 1922م وهي أول قصة من قصص الشطار في فرنسا على لسان فرانسيون يهجو فيها العادات والتقاليد بواسطة أشخاص من المتسولين ومن يعد في زمرتهم في نظر المؤلف، كما يهجم مختلف الطبقات في عهده من خلال أولئك الأشخاص» . وقد سار على نهجه "لوساج le sage" في: «قصته التي يهجو فيها العادات والتقاليد على لسان البطل الذي سميت القصة باسمه "فيل بلا"» ، وانتفع بهذا الاتجاه "كويتي gauthier" في قصته "موت الحب mort damour ". وهذه المقارنات زكت الاعتقاد: «أن قصص الشطار قد حوت نقدا مريرا للأنظمة الإقطاعية التي كانت سائدة في القرون الوسطى يشبه ذلك النقد المرير الذي قدمه بديع الزمان للواقع الإقطاعي في العصر العباسي من خلال مقاماته» .
كما أن هناك من الباحثين من يثير تأثير المقامة في الكوميديا الإلهية لدانتي، إذ ليس من المعقول أن يكون هذا الكاتب بمعزل عن الثقافة العربية الإسلامية وهو الملم بجميع نواحي الثقافة والمعرفة آنذاك: «وقد درس الموضوع بمزيد من الجدية والعمق المستشرق الإسباني بلاثيوس في كتابه المعتقدات الإسلامية حول العالم الآخر في الكوميديا الإلهية، وهو خلاصة دراسة استغرقت عشرين عاما وازن فيها المؤلف بين قصيدة دانتي من جهة وبين الكتب الدينية الإسلامية وبعض الكتب الدينية العربية؛ كالقرآن الكريم وكتب الحديث والتفسير والسيرة ومؤلفات المتصوفين، ولا سيما كتاب الفتوحات المكية لابن عربي، ورسالة الغفران للمعري، وقصص الإسراء والمعراج، وانتهى المؤلف في دراسة كل هذا إلى القول بأن دانتي كان متطلعا على أكثر من نواحي الثقافة الإسلامية، وأنه استقى من هذا المنبع بعض الصور والمعلومات التي وردت في الكوميديا الإلهية مما يتعلق بالبعث والحشر وخلود النفس ومشاهد الجنة والنار» . ونشير إلى أنه وظف هذه المعاني الدينية وفق تصوره إذ يقول الدكتور نذير طعمة: «لقد تأثر دانتي بمعمارية المعراج فأفرغها من مضامينها الإسلامية وملأها بمضامين ومواقف تنسجم مع ثقافته ومعتقده» .
وهذا يقودنا إلى الربط بين المقامة والفن الروائي، فقد ذكر بيير كاكيا أن: «الفن الروائي لم يجد متنفسا له سوى في المقامة، وهي كلمة ترجمت إلى الإنجليزية بلفظةassembly وإلى الفرنسية بلفظة seance بما يفيد أنه يمكن قراءتها في جلسة واحدة» . وينقل بهذا الصدد محمد رجب البيومي عن الفيلسوف الفرنسي "أرنست رينان" هذا الإعجاب بالمقامة التي آثرها على مجموعة بلزاك الأدبية، بحيث أن الحريري قاد شحاذه في خمسين موقفا مختلفا بقوة اختراع عجيبة ودقة وتأمل في الأخلاق والعادات لنعلم المهارة والغرابة التي تنطوي عليها فكرة المقامات. أرادوا أن يضعوا للقرن التاسع عشر مهزلة بشرية يشير رينان إلى مجموعة بلزاك المسماة بهذا الاسم فلم يعرفوا كيف يجلونها في قالب مقبول، في حين حقق الحريري هذه الفكرة للمجتمع الإسلامي في القرن الثاني عشر، أما بلزاك فقد نقصته شخصية أبي زيد التي تكاد تلمسها حتى تفلت .

وننهي حديثنا عن المقامة بالإشارة إلى أن التراث العربي الإسلامي ليس هو الوحيد الذي أثر في الفن السردي بإسبانيا، بل هناك تأثيرات مسيحية لا يمكن القفز عنها وتجاهلها، ويؤكد هذه الحقيقة عبد العزيز الأهواني بقوله: «وحين نتجاوز الألفاظ إلى الأخبار والقصص سنجد في كتب التاريخ الأندلسي أمثال قصة البيت المقفل في طليطلة وكيف أمر لنديق آخر ملوك القوط على فتحه، فكان نذيرا بدخول العرب إلى إسبانيا، وقصة بنت يوليان صاحب سبتة مع ذلك الملك وكيف غيرت التاريخ، وكلها قصص أخذت بغير شك من التراث الشعبي المسيحي» .





** الهوامش:
ـ التأثيرات العراقية في الأندلس وأوربا ـ عبد الجليل الراشد ـ وزارة الثقافة، دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد ـ الطبعة الأولى 2001 م ـ ص: 55 .
ـ نفسه ـ ص :55.
ـ الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير ـ محمد رجب البيومي ـ أشرفت على طباعته ونشره: إدارة الثقافة والنشر بالجامعة 1400هـ/1980م ـ ص: 198.
ـ القصة الأندلسية : نماذج مع دراستها دراسة تطبيقية ـ د. عبد الله بن علي بن ثقفان ـ دراسات أندلسية، العدد: 22، ربيع الأول 1420هـ/جوان 1999م ـ ص: 42.
ـ الأدب الأندلسي ـ بيير كاكيا ـ في "الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس" ـ تحرير: د.سلمى الخضراء الجيوسي ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ الطبعة الأولى، بيروت، كانون الأول/ديسمبر 1998م ـ الجزء الأول، ص :466 .
ـ الأدب الأندلسي وأثره في الآداب الأوربية خلال القرون الوسطى ـ حبيبة البورقادية ـ الباحث: مجلة الأبحاث العامة، تصدرها وزارة الثقافة والتعليم العالي والثانوي والأصلي وتكوين الأطر مرتين في السنة ـ مديرية الشؤون الثقافية، شارع ميشوبيلير/الرباط ـ السنة الأولى، المجلد الأول، ص: 190.
ـ نفسه ـ ص : 191 .
ـ الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير ـ محمد رجب البيومي ـ ص : 130 .
ـ نفسه ـ ص : 131 .
ـ الأدب الأندلسي وأثره في الآداب الأوربية خلال القرون الوسطى ـ حبيبة البورقادية ـ ص : 191 .
ـ نفسه ـ ص : 191 .
ـ فن المقامات بين المشرق والمغرب ـ الدكتور يوسف نور عوض ـ مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة، الغريرية ـ الطبعة الثانية 1406هـ/1986م ـ ص: 346 .
ـ نفسه ـ ص: 192 .
ـ فضاءات الأدب المقارن: دراسة في تبادل الثيمات والرموز والأساطير بين الآداب العربية والأجنبية ـ د.نذير طعمة ـ منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق 2004 ـ ص:63.
ـ الأدب الأندلسي ـ بيير كاكيا ـ الجزء الأول، ص: 462.
ـ الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير ـ محمد رجب البيومي ـ ص: 129، 130.
ـ اللقاء الحضاري في الأندلس ـ عبد العزيز الأهواني ـ المؤرخ العربي: مجلة تصدرها الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب، بغداد/العراق ـ العدد الخامس، ص: 128.




__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

يسلموووووووووووووووووووا وشكراً على المجهود




__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

تسلم أخوي ومشكووووووووور




هلا أخوي جالب المواضيع ( إنشالله تكون بخيروعافيه )
مشكووووووووووووور أخوي على البحث الحلو
...والله الواحد صراحه يقدر يعتمد عليك ...





مشكور اخوي





يسلمووووووووو