السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..~
فهد عامر الأحمدي
جميعنا سمع بقدرة العُمْي على تمييز الأصوات ورؤية العالم من خلال أحاسيس خارقة أو غامضة (حتى بالنسبة لهم).. وهذا إن دل على شيء فعلى تمتع الإنسان بمواهب دفينة قد لا يكتشفها في نفسه مالم تضطره الظروف للجوء إليها أو الاستعانه بها فعلا...
ورغم صعوبة تفسير معظم الحالات أصبح مؤكدا أن الكفيف تتطور لديه حاسة السمع بطريقة مختلفة عن بقية البشر، ففي حين نستعمل نحن هذه الحاسة لسماع الأصوات فقط، يطورها الكفيف كوسيلة لمعرفة الاتجاهات وتحديد مواقع الأشياء.. وبمرور الزمن يتمكن فعلاً من الرؤية باستعمال حاسة السمع فقط مثلما تستعمل البومة صدى الأصوات لرؤية فريستها في الليل!!
ورغم أن البشر لا يملكون أعضاء خاصة تتيح لهم الرؤية من خلال الصوت (مثل البومة أو الوطواط والحوت) ؛ إلا أن هناك حالة فريدة لمراهق أمريكي أعمى طور في نفسه هذه المهارة وأصبح قادرا على تمييز ما حوله بهذه الطريقة.. هذا الفتى يدعى (بن) واكتشف في نفسه هذه الموهبة في سن السابعة حين كان يتنافس مع أقرانه على إصدار أصوات غريبة من أفواههم . وحين أتى دوره بدأ يصدر "طقطقات" سريعة من طرف لسانه فلاحظ قدرته على التقاط صداها (أو انعكاسها) من الأجسام المحيطة .. ثم لاحظ أن طبيعة الأصداء المرتدة إليه تختلف باختلاف الأجسام وبعدها والاتجاه الذي توجد فيه. وبالتدريج طور مهارته في هذا الجانب وبدأ يلاحظ الفروقات البسيطة بين مستويات الصدى حتى أصبح قادرا على "رؤية" ما حوله بهذه الطريقة (وشاهدته شخصيا في لقاء تلفزيوني للتأكد من هذا الادعاء في برنامج أوبرا وينفري في ديسمبر 2017)!!
وكان كتاب غينيس للأرقام القياسية قد وثق حالة كفيف من جنوب أفريقيا يدعى هين واجندر يملك موهبة الإحساس بالعوائق الموجودة أمامه. وقد تطورت لديه هذه الموهبة لدرجة أصبح قادراً على قيادة السيارة والدراجة الهوائية بتصريح استثنائي من شرطة كيب تاون!!
أما أول دراسة أعرفها من هذا النوع فأجريت في كلية لندن عام 1955على كفيف هندي يدعى سوجا ساتي اشتهر بقدرته على قيادة الدراجة في شوارع بومبي المزدحمة. وحين شاهده بالصدفة أحد الأطباء الانجليز عرض عليه الحضور للندن لدراسة موهبته هناك.. وبالفعل حضر ساتي إلى انجلترا وقاد دراجته في شوارع لندن أمام أنظار المراقبين وكاميرات التلفزيون.. والتفسير الوحيد الذي ظهر حينها هو قدرته الخارقة على تحديد مواقع الأجسام حوله برصد الأصوات الصادرة عنها!!
على أي حال لم نذهب بعيدا (!؟) فأنا مازلت أذكر معلم القرآن في مدرستنا الابتدائية وقدرته المذهلة على تحديد أماكن جلوسنا بمجرد سماع أصواتنا (بل وقذفنا بالطباشير حين نتحدث مع أحد زملائنا).. لم يخطئ يوماً بطالب من الطلاب ولم يصطدم أبداً بطاولة من الطاولات - وحين يجيب أحدنا من غير موقعه يجره من أذنه نحو طاولته الأصلية.. (باختصار) كان ماهراً في تحديد المواقع ومعرفة الأشخاص لدرجة سرت شائعة بأنه رجل مبصر دسه مدير المدرسة لكشف المشاغبين في كل فصل.. وللتحقق من هذه الشائعة قررت تقليد موهبته واختبارها في المنزل من خلال التجول بين الغرف وأنا مغمض العينين.. ورغم نجاحي المبدئي إلا أنني قطعت التجربة في منتصفها بعد اصطدامي بجسم رخو ودافئ لم يكن من المفترض تواجده في ذلك المكان !!!
.... كان (بطن الوالد) الذي تسمر في مكانه متسائلاً عما أصابني !!
م